رواية نعيمي وجحيمها من الفصل الثاني عشر 12 الي الرابع عشر 14 بقلم امل نصر
رواية نعيمي وجحيمها من الفصل الثاني عشر 12 الي الرابع عشر 14 هى رواية من كتابة سولييه نصار رواية نعيمي وجحيمها من الفصل الثاني عشر 12 الي الرابع عشر 14 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك و واتباد رواية نعيمي وجحيمها من الفصل الثاني عشر 12 الي الرابع عشر 14 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية نعيمي وجحيمها من الفصل الثاني عشر 12 الي الرابع عشر 14
رواية نعيمي وجحيمها من الفصل الثاني عشر 12 الي الرابع عشر 14
على الكرسي الجلدي الذي كانت جالسة عليه، تهزهز بأقدامها بعصبية، تنفخ دخان سيجارها الذي يخرج وكأنه حريق نابع من داخلها ، تهذي بالكلمات الساخطة بعدم تصديق :
- انا يامرفت ، انا مرفت يعمل فيا كدة ويخلي شكلي زبالة قدام صحابي ، بقى مريهاااان يتعمل فيها كدة يامرفت؟
لوت ثغرها الاَخرى وهي تجيبها :
- بصراحة انا مش عارفة اقولك ايه ؟ الموقف اللي حكتيه يثبت فعلًا انه موقف زبالة ، بس انا اللي مستغرباه هو بيعمل معاكي كدة ليه ؟ هو مش عارف ان انتوا مشهورين وموقف زي دي الناس ماهتصدق تحكي فيه، دا غير انه كدة بيحرجك فعلًا قدام صحابك .
ردت ميري من تحت أسنانها :
- إلا يحرجني ! دا الأوباش أخدوها فرصة عشان يتريقوا ويهزروا بسخافة عليا اناااا، الحيوانات .
- أديكي قولتي بنفسك ، أوباش وحيوانات كمان ، ايه بقى اللي مخليكي مستمرة معاهم ؟ ماتسبيهوم وافضي لجوزك دا اللي هايروح منك وكفاية بقى.
قالت مرفت بغضب ، قابلته الأخرى بضحكة ساخرة تردد :
- افضى لمين ياقلبي ؟ هههه ياحبيبتي جاسر الريان دا لو حتى عملتلوا أمينة وبقى هو سي السيد ، برضوا مش هايحن ، انا عارفاه هو بيعمل كدة قصد عشان أطلب الطلاق.
تسائلت الأخرى وهي تمط شفتاها بدهشة :
- معقوول؟! هي لدرجادي الأمور اتعقدت مابينكم ؟
- واكتر كمان من الدرجادي ياروحي .
اردفت ميري وهي تشعل سيجارة أخرى وتابعت :
- جاسر قلبه أسود ، من يوم الحادثة وهو مش راضي ينسالي اللي حصل.
- لما سبيته يتعالج في أوروبا لوحده ؟
قالت مرفت بتخمين ، ردت ميري بتشدق :
- وافرض يعني سيبته؟ ماهو كان معاه والدته ، بصراحة انا كمان متحملتش عصبيته وجو الخنقة بتاع المستشفيات والقرف ، وانتِ عارفاني يامرفت بحب الحرية والأنطلاق ، ماليش بقى في الجو البلدي ده .
زفرت مرفت بملامح ممتعضة قبل أن ترد عليها:
- اهو الجو البلدي دا ياناصحة هو اللي خلاه قلب عليكي لما موفقتيش جمبه في شدته ، بس انا مازلت فاكرة يا ميري ، انتِ مش بس رجعتي مصر وسبتيه ، لا دي انتِ كنتِ عايزة تطلقي كمان .
ردت ميريهان بتوتر :
- مماهو بصراحة انا خوفت قوي لما الدكاترة خمنوا عدم وقوفه على رجله من تاتي ، دا غير كمان لما قالوا ان احتمال مايخلفش .
خرجت الاَخيرة بخزي وصوت خفيض ، اومأت مرفت برأسها وقد وصلها المعنى :
- اااه يبقى عشان كدة بقى ، ياخسارة ياميري ، كان لازم تصبري شوية وتفهمي من الأول ؛ ان واحد زي جاسر الريان ده لا يمكن هايتقبل الهزيمة ولا الضعف ، جاسر عنده ارادة حديدية مكنته انه يتخطى ويرجع أحسن من الأول كمان .
زفرت ميري تشيح بوجهها عنها لعدم تحملها الحقيقة قبل ان تردف :
- اهو اللي حصل بقى ، طلبت الطلاق ووالدي مرديش وبعدها صاحبنا دا رجع على رجله ، حاولت كتير اتقرب وهو رفض، صبرت عليه وحطيت في بُقي جزمة قديمة لما خاني مع اشكال زبالة وانا مكانش بيقربلي وبرضوا لا حن ولا قدر حتى ، بس المدة طالت قوي ، وهو بيزيد في غباءه وعِنده معايا ، وانا هاموت والمسه وهو حرمني من قربه، بس زهقت بقى وقرفت .
- ميري ، بصيلي هنا وحطي في عينك في عيني .
اردفت مرفت وهي تمسك بأطراف أعصابها على ذقن ميري لتنظر اليها جيدًا وتابعت :
- انتِ عارفة كويس انه كان بيخونك عشان يردلك القلم ويثبت لنفسه انه تمام ، وانتِ اللي جبتيه لنفسك يبقى تصبري كمان وتحاولي تغيري من نفسك .
نزعت يدها عن ذقنها بعنف هاتفة :
- تاني انتِ كمان اغير من نفسي ، ابوس على ايده مثلًا عشان يرضى عني؟ دا قافل في وشي بالضبة والمفتاح، عالعموم انا بلغت والده عشان يشوفلي صرفة معاه ، ماهو الإهانة دي لا يمكن اعديها على خير .
برقت لها مرفت بعدم تصديق:
- يانهار ابيض، انتِ اشتكيتي لوالده ياميري وهو في المستشفى بيتعالج برا؟
اردفت الأخرى بعدم اكتراث :
- امال يعني عايزاني اسكت على كرامتي اللي اتهانت ؟ مش كفاية والدي اللي مرديش يسمعني اصلًا بحجة انه مشغول بأمور الوزارة والكلام الفارغ ده !
........................................
- بتقول إيه؟
هتف بها جاسر وهو يترجل من سيارته الى محدثه في الهاتف وأردف .
- هي البت دي معندهاش دم ولا إحساس ، بتتصل بيك وانت راجل تعبان بتتعالج في اَخر الدنيا على حاجة تافهة زي دي؟
وصل اليه صوت أبيه بضعف :
- يابني مهياش حاجة تافهة ، ثم كمان هي ماقلتس لحد غريب ، امال يعني عايزها تشتكي لوالدها بقى عشان يكبر الموضوع وتبقى حكاية .
صاح بغضب وهو يدلف لداخل منزله الكبير :
- ولا يقدر يعمل حاجة ، يتشطر الأول على بنته اللي داخلة ملهى ليلي الساعة ١٢ بعد نص الليل ، هو ليه عين يكلمني أساسًا !
وصل اليه صوت والدته التي تناولت الهاتف من زوجها وتدخلت بحديثهم :
- يابني ياحبيبي بلاش عصبيتك دي ، انا ميت مرة اقولك اتفاهم معاها ، انت بس اديها ريق حلو دي ماهتصدق ، انا بنت اختي بتحبك وهاتموت عليك .
اردف بضحكة متقطعة ساخرة :
- تاني برضوا ياماما بتحاولي معايا ، بعد ماورطتيني فيها بحجة انها بنت الغالية حبيبة قلبك ، اللي ماتت في عز شبابها واتحرمتي منها، اقنعتيني انها يتيمة ومحتاجة اللي يطبطب عليها عشان تتعدل ، وهي ضلع معوج بكتر الدلع وحب النفس والاَنانية ، انا معدتش جاسر بتاع زمان ياست الكل ولا انت نسيتي ؟
- يابني ياحبيبي....
معلش والنبي الله يخليكِ ياأمي ، اقفلي دلوقتي وبكرة الصبح هاتصل انا واطمن عليكم .
- ياجاسر.......
كان قد وصل الى غرفته وهو ينهي المكالمة بعد مقاطعة والدته ، رمى الهاتف وسلسلة المفاتيح على المقعد الوحيد الذي وجده أمامه قبل ان يسقط بظهره على التخت ، يتنفس بثقل ، وكل عضلة بجسده تأن من التعب ، بالإضافة تزاحم الأفكار السيئة بعقله بعد أن عادت اليه مشاهد الحادث القديمة، ومراحل العذاب في العلاج الشاق بعد ذلك حتى يستطيع الوقوف على أقدامه مرة أخرى ، وقد ظن عدم النجاة وانهيار عالمه، أغمض عيناه يستعيد وجهها الجميل بمخيلته ويتذكر مشاكسته لها منذ قليل وردودها العفوية التي تُسعده دائمًا، تنهد من العمق وهو يفتح أجفانه على رؤية الغرفة الكبيرة الخالية من الحياة ، لأول مرة منذ فترة طويلة يكره شعور الوحدة فيها ، بعد أن كييف نفسه عليها بل وكان يجد الراحة بها ، لكن كان هذا قبل أن يراها !
...............................................
وما زال العشق مستمرا ..وما زالت القلوب نابضة بين حنايا الصدور .. ولن يستطع أي من كان أن يوقف طوفان العشق مهما بنيت السدود .. فالعشق هو زاد العمر .. وزواد الرحلة ..
بعد أسبوع .
دلف الى الشركة التي جعلها المقر الرئيسي لقيادة المجموعة ، يقضي معظم يومه بها ، يدير كل شئ من داخلها ، عكس ما كان ينتوي سابقًا، قبل أن يراها وتتغير معه كل خططه، خطواته السريعة توقفت فور أن دلف للغرفة الواسعة ، حينما رأى إبتسامتها التي تسلب لب قلبه؛ وهي تتحدث في الهاتف غافلة عنه ، بطء بخطواته حتى اصبح قريبًا منها ويستمع الى محادثتها :
- حبيبي والله زي مابقولك كدة ، رقية حكمت عليها تبات معانا ليلتين وصاحبتك ماصدقت ، دي روحت بالعافية والنعمة بعد ما والدها اتصل وبهدل الدنيا معاها، واقعة اوي بصراحة يعني ؟
صمتت قليلًا تستمع لرده عبر الاثير فانطلقت ضحكة بصوتها كادت أن توقف قلبه من خلفها ، ورأسها تميل للخلف حتى اصطدمت عيناها به فانتفضت تنهض مجفلة أمامه حتى أغلقت المكالمة دون أن تدري :
- جاسر بيه ، اسفة والله مكنتش واخدة بالي .
رغم الإحباط الذي انتابه بتوقف ضحكاتها ، لكنه تمكن من رسم الجمود كالعادة في حديثه:
- مش تخلي بالك يااَنسة من ضحكتك وانتِ في مكان شغلك .
اومأت برأسها وردت وهي مطرقة رأسها:
- عندك حق ، مش هاتكرر تاني يافندم .
صمت قليلًا وانتظرته هي أن ينصرف ولكنه فاجئها بسؤاله الفضولي:
- كنتِ بتكلمي مين ؟
رفعت عيناها اليه باندهاش وردد هو :
- بسألك ، مين دا اللي كنتِ بتناديه ياحبيبي ؟
عضت على وجنتها من الداخل تكبح غضبها ، فقالت متصنعة الإبتسام :
- دا يبقى خالي ياجاسر بيه ، انا كل كلامي كدة معاه .
- خالك خالد .
اردف بها قبل ان يتحرك قليلًا ثم استدار قائلًا :
- انا بسألك بس عشان مصلحتك ، مهما كانت معزة خالك عندك ، الكلمة دي مايصحش تتقاله عشان بس ماحدش يسمعك و يفهمك غلط بعد كدة .
اومأت برأسها بعدم اقتناع ، املًا في ذهابه الذي حدث بعد ذلك ولكنها اوقفته قبل أن يدلف لغرفته هاتفة :
- على فكرة ياجاسر باشا، انا خلصت كل الملفات المتكومة ، يعني النهاردة بقى يحقلي اَخد فرصتي زي بقية الموظفين في البريك بتاعي .
التفت برأسه لها بنظرة حانقة قبل ان يدلف لمكتبه صافقًا الباب بقوة أمامها .
....................................
بداخل دكانه الذي كان يعمل به بجهد وقد توفرت معه المواد الخام كي ينهي الأعمال القديمة والتي توقفت من منذ زمن ، بيده احدى الوسادات التي يعمل عليها بتركيز ، وبجواره من الناحية الأخرى العامل الصغير ، المدعو عامري . يعمل هو الاَخر بقطعة أخرى، أرتفعت رأس الأثنان فجأة على صيحة جهورية أجفلتهم:
- صباح الخير عليك ياعم يامحروس .
- فهمي ! هو انت خرجت إمتى من السجن ؟
تمتم بها محرس بعد أن انتفض وسقطت الوسادة منه على الأرض وهو يرى الظل الطويل أمامه بمدخل الدكان ، يخطو ببطء وخطوات متمهلة ، بوجهه الإجرامي وملابسه المتسخة بفعل السجن ، قال مخاطبًا الفتى :
- قوم ياعسل روح هاتلي حاجة ساقعة من البقال اللي في الشارع اللي ورانا .
تسمر عامري بجلسته بعد تركه ماكان يعمل به أيضًا فانتقلت عيناه باستفسار الى معلمه الذي هدر عليه فهمي :
- في ايه ياجدع ؟ ماتقول للواد يتحرك يجيبلي حلاوة خروجي من السجن ولا انت مش فرحان بخروجي من السجن يامحروس؟
استدرك نفسه محروس يستوعب الصدمه فهتف على صبيه :
- روح ياعامري نفذ اللي قالك عليه عمك فهمي ، قوم يابني اتحرك بسرعة ، حمد الله عالسلامة ، كفارة يا فهمي.
أومأ له الفتي وهو ينهض على مضض كي يخرج ويتركهم .
بعد مغادرته تناول فهمي أحد المقاعد ليجلس عليها بالعكس ليصبح مقابل محروس الذي كان يبتلع ريقه بصعوبة من الخوف .
- عامل ايه يامحروس من غيري ؟ بتعرف تصرف نفسك من الكيف ؟
سأله بنبره غريبة ، أجابه محروس على تخوف :
- لا ماهو الواد شمة اللي كان شغال معاك ، مقصرش معايا بصراحة، كان بيديني اللي بطلبه منه وكله بحسابه.
ردد فهمي بتمهل وهو يتناول سيجارة من جيبه ليشعلها :
- اه صح عندك حق ، كله بحسابه ، بس ياترى بقى دفعت انت حسابه ؟
رد محروس بعدم فهم:
- اه طبعًا ، وحتى اسأله ، انا مافيش مرة سحبت منه حاجة الا وتمنها في إيده الأول .
- والتمن بقى جايبه منين ياغالي ؟
صاح فهمي فجأة وهو يباغت محروس بجذبه من قمصيه، جعل الخوف يزحف بأوردته :
- الله الله يافهمي ، ايه اللي حصل ياجدع ؟ وانت بتعمل معايا كدة ليه ؟.
هدر فهمي وهو يجز على اسنانه بعد أن أوقع السيجارة من فمه ، وأصبحت أنفه تنفث دخانا يلفح بشرة محروس :
- بعمل كدة عشان انت جبان، خيخة ، اعتبرتك راجل لما اديتك الفلوس مهر البت عشان تجوزهاني وفي الاَخر خدت انا على قفايا ، خطيبة المحروس اتفقت مع اخوها الظابط وعملوا عليا رباطية عشان يدخلوني السجن وماخرجش منه تاني ، لكن لا ياحبيبي ، العيال هي اللي شالت الليلة عشان انا صفحتي بيضا والبوليس فتشني وملقاش في هدومي حاجة .
- طططب ماهو دا كويس يافهمي ، مدام ربنا نصرك عليهم وخدت براءة
قال محروس بتلجلج من الخوف ، جز الاَخر على أسنانه أكثر في قوله :
- لا مش كويس ياعنيا ، عشان الزفت اخو المحروسة حطني في دماغه وحلف انه هايسود عيشتي لو قربت من الكونتيسا بنتك ، يعني لبست غضب الحكومة بسببك .
دافع محروس يومئ بكفه نحو صدره :
- أنا يافهمي؟! وانا ذنبي ايه بس في الليلة دي ؟
شدد فهمي من قبضته على تلابيب قميص محروس يهزهزه بعنف هادرًا :
- ماهو انت لو راجل وبتعرف تحكم اهل بيتك ، مكانش أي حاجة من دي حصلت ، اسمع اما اقولك ياض ، قدامك فرصة اسبوع بالكتير ، ياتردلي الفلوس اللي اخدتها على داير مليم، والكيف اللي كنت بتبلبعه على حسابي ، ياتجوزني البت وبرضاها تمنع الرباطية دول عني. فاهم ياخيخة .
صمت محروس بصدمة فدفعه فهمي للخلف بقوة حتى اصطدم ظهره بالحائط حتى اَلمه بشدة
- ومن غير سلام .
اردف بكلماته الاَخيرة وهو ينهض بعنف عن كرسيه الذي ارتمي على الأرض ، تاركًا محروس يلتقط أنفاسه بصعوبة وهو يشتكي من اَلام ظهره ، مصعوقًا مما حدث وما ينتظره من أيام سوداء بعد تهديد فهمي الصريح له.
.................................
في الموقع الجديد لها وهي جالسة على مكتبها تعمل بكل طاقة ونشاط ، سمعت طرق مهذب على باب غرفتها ، رفعت عيناها فتفاجأت بمن يطل برأسه اليها مستئذنًا بدماثة ولطف :
- صباح الخير ، ممكن ادخل ؟
- كارم !! اهلًا بيك اتفضل طبعًا ودا برضوا كلام .
قالت وهي تنهض عن مقعدها لترحب ، تقدم هو ليصافحها قبل أن تشير اليه ليجلس أمامها .
- المكتب نور .
قالت بابتسامة ودودة ، بادلها ابتسامتها مرددًا :
- المكتب منور بصحابه ياستي ، بس ايه الجمال ده ، دا انتِ طورتيه وحطيتي فيه من روحك .
ازداد اتساع ابتسامتها وهي ترد :
- الله يخليك يارب ، اشكرك على زوقك .
أومأ لها برأسه قائلًا بإعجاب :
- حقيقي تستاهلي الترقية ياكاميليا ، انا بباركلك من قلبي فعلًا .
- الله يبارك فيك ، بس انت كنت مختفي يعني طول الفترة اللي فاتت ، دا حتى اجتماع المجموعة محضرتهوش ؟
ابتسم بداخله على ملاحظتها لغيابه ، وأجاب:
- لا ما انا كنت برا البلد بظبط الدنيا للباشا الكبير وحرمه،ولما اطمنت على كل حاجة رجعت .
- واوو دا انت بتسد مع جاسر باشا بقى برا وجوا كمان ، صدق الا قال عليك إيده اليمين.
تبسم بانتشاء وقد أطربه تعبيرها وقال :
- الحمد لله انا ببذل المجهود في الشغل من قلبي وحمد لله ربنا بيوفقني والاَقي التقدير ، متهيألي انك شبهي.
اومأت بسبابتها نحوها تردد:
- انا شبهك انت معقول؟
- مين شبه مين؟
اتت فجأة من هذا الذي دلف اليهم دون استئذان ، نهض كارم يرحب به مصافحًا :
- طارق بيه اهلًا بيك .
بادله المصافحة بأطراف أصابعه مرددًا:
- اهلا بيك ياسيدي ؟ انت جيت من أمتى ؟
اجاب كارم وهو يعاود الجلوس:
- انا وصلت من السفر امبارح، عديت على مكتبك ، قالولي انك تحت مع العمال، قولت اَجي ابارك للزميلة كاميليا على المنصب الجديد ، بس الحمد لله اني شوفتك عشان يدوبك بقى أمشى .
- اومأ له برأسه ليخرج؛ مشمئزًا من أدبه الزيادة كما يصنفه دائمًا ، ولكنه تفاجأ بردها هي من خلفه:
- طب استنى اشرب شاي حتى ، هو انت لحقت تقعد .
- ربنا يحفظك يارب ، ملحوقة ان شاء الله الجيات كتير ، سلام ياطارق باشا .
اردف بكلماته قبل أن يغادر ، فنهض طارق خلفه يغمغم بحنق وصوت خفيض:
- يقولها شبهي والجيات كتير وهي تعزم عليه بالشاي ، اللي ما عملتها في مرة حتى معايا.
-انت بتقول حاجة ياطارق بيه؟
- لا ياستي مافيش ، عن إذنك .
رد على سؤالها وهو يخرج بأناقة رغم غضبه :
................................
في وقت لاحق من اليوم .
حينما أتى وقت استراحة الموظفين ، خرجت سريعًا وكأنها طفلة وهذا موعد خروجها ، فاأخيرًا سمح لها هذا المتجبر لتأخذ فرصتها كالاَخرين ، كانت تهرول بخطواتها وكأنها تخشى منه إيقافها ، لا تعلم أنها مراقبة من شاشته كالعادة ، دوى هاتفها باتصال دولي فبطئت من خطواتها لتجيبه :
- الوو...... ايوة ياخالي بتتصل ليه تاني ؟
- هو انا لحقت اتكلم معاكي أصلًا يابت ال..... نسيتي انك ناهيتي وقفلتي في وشي من غير استئذان .
خبئت بكفها ضحكتها قبل أن ترد على سبته :
- مافيش فايدة فيك ، مهما وصلت ولا اتعلمت ولا حتى سافرت ، برضوا واخد طبع رقية في الشتيمة .
- ايوة ياختي انا واخد طبع امي في الشتيمة خليكي انت المؤدبة فينا.
اردف خالد قبل أن يضحكها مرة أخرى ثم أكمل :
- المهم بقى عشان انا مش فاضي دلوقتي ، بكرة ان شاء الله هايوصلك عالبنك بالمصري كدة يجي خمسة وخمسين الف جنيه .
- خمسة وخمسين .
- ايوة يابنتي ، هاتدفعي منهم لسمسار الغبرة قسط خمس اتشهر الشقة على الشهور اللي فاتت والخمسة مصاريف ليكِ انتِ وستك .
رددت زهرة على تخوف من المسؤلية: .
- ربنا يسهل ياخالي ان شاء الله .
شدد خالد بكلماته :
- خلي بالك من نفسك يازهرة وحرسي من الحرامية ياعين خالك ، انا سالف نصهم ، يعني قدامي كام شهر تاني على مااقدر ابعت غيرهم .
- تمام ياخالي ربنا هو المعين .
- ونعم بالله .
...............................
بعد انتهائها من المكالمة مع خالها نزلت بالمصعد سريعًا الى كافتريا الشركة وهي تطلب غادة كي تصاحبها الى هناك ، وقبل أن تصل الى هناك، كادت أن تصطدم به خارجًا من إحدى الغرف ، رفع كفيه يتراجع ضاحكًا بقهقهة حتى اخجلها فابتسمت له بخجل ، ردد بغير تصديق:
- اقسم بالله انا لو حلفتلك اني كنت بفكر فيكِ ، اكيد مش هاتصدقي صح .
تسائلت بابتسامة مستترة تدعي الجدية :
- ليه يعني ؟
- عشان غيبتي كتير قوي المرة دي ، وانا كل يوم ادخل الكافتيريا مخصوص عشان اشوفك وانتِ مابتجيش .
قال مباشرةً بدون مواربة أجفلها حتى انعقد لسانها عن الرد واخفضت عيناها كالعادة ، هم ليتابع هو ولكن ظهور غادة اوقف كل شئ .
- واقفين مكانكم ليه؟ ماتكملوا طريقكم عالكافتيريا .
قالت غادة وهي تقترب منهم ، رد عماد :
- لا وحاجة ، انا بس كنت بحكي لزهرة عن فرح اختي اللي تم امبارح .
- ايه دا ؟ انت اختك اتجوزت صح امبارح ؟
سألته غادة وارتفعت انظار زهرة اليه لتتبين صدقه ، اجاب هو بكل ثقة :
- حمد لله ربنا تم على خير وسترناها ، عشان افضى بقى لنفسي وادور انا كمان على صاحبة النصيب .
قال وعيناه على زهرة التي وصلها تلميحه ، فتابع يخاطبهم :
- تعالوا معايا جوا اجيبلكم حاجة تشربوها ، وبالمرة افرجكم عالصور .
وافقت غادة بحماس حتى سحبت معها زهرة المترددة ، ليجلسن الثلاثة على طاولة وحدهم ، يريهم صور شقيقته والعائلة واجواء الفرح ، وهن يعلقن على مايرونه بتركيز ، غافلين عن أعينٍ تراقبهم من خلف الشاشة بغيظ ، حتى فاض به وخرج من الغرفة نهائيًا .
...................................
حينما قارب انتهاء فترة استراحتها ، ذهبت زهرة الى موقعها على الفور ، حتى لا تترك له فرصة لمعاقبته بتأخرها ، ولكنها اصطدمت به فور عودتها جالسًا على طرف مكتبها ، واضعًا كفيه داخل جيبي بنطاله ينظر أمامه في الفراغ ، ظنته شاردًا فتمتت داخلها بقلق :
- استر يارب ، ودا ايه اللي مقعده هنا ؟ دا البريك حتى مخلصش.
التفت اليها فجأة وكأنه شعر بحضورها، فاعتدل بحسده مخاطبًا إياها بأمر :
- البسي شنطتك عشان انتِ خارجة معايا دلوقتِ حالًا ، عندنا ميعاد مع عميل مهم .
رددت بعدم استيعاب :
- اخرج فين حضرتك ؟ ثم ان جدول مواعيدك النهاردة مافيهوش مواعيد مع عملة أساسًا.
أردف لها بحزم :
- دا ميعاد ظهر فجأة ، فبلاش تجادلي معايا واخلصي ياللا انا مستنيكي في العربية تحت ، تحرك ليذهب ولكنها أوقفته هاتفة:
- بس يافندم انا مابخرجش معاك في المواعيد اللي زي دي ، كارم هو اللي بيقوم بالمهمة .
التفت برأسه اليها ناظرًا من طرف عيناه يجيبها بغموض:
- لا ماهو الوضع اتغير ، زي مافي حاجات كتير هاتتغير بعد كدة !
...............................
بعد قليل
بداخل المطعم الفاخر ، والجديد عليها بديكوراته الغريبة ، والوانه الهادئة ، إضائته الخافته وموسيقى بالكاد تسمع ، وزعت الطاولات فيه بشكل متباعد ، يناسب خصوصية زبائنه القلائل والواصخ من ملابسهم ومايرتدونه ، حجم الغناء الفاحش ، عكس ماترى دائمًا في المطاعم التي تعرفها ، أو حتى التي دخلتها مع كاميليا .بدء القلق يسري بداخلها وهي ترى نفسها وكأنها من كوكب اَخر بينهم ، بالإضافة الى نظراته المسلطة عليها مباشرةً والتي تشعرها بعدم الأرتياح ، تتملل في جلستها ، تتهرب بعيناها بالنظر حولها في أرجاء المكان حيث تذهب كل دقيقة نحو المدخل ، مع دخول كل فرد من الرجال وكأنها ستعلم بهوية العميل الذي لا تعرفه .
- إيه مالك متوترة ليه ؟
سألها بصوته الأجش ، قالت هي بارتباك وهي تنظر حولها بطرف عيناها :
- ولا حاجة يافندم، بس حاسة نفسي غريبة بلبسي عن الناس اللي هنا .
- انتِ مش غريبة يازهرة ، بالعكس انتِ أحلى منهم كلهم .
- نعم !
أردفت بها وهي ترفع عيناها اليه ولا تدري ان كانت سمعت جيدًا أم لا، ليجفلها بقوله الاَخر :
- تعرفي تفرقي بين الرغبة والحب الحقيقي يازهرة ؟
سهمت وهي تنظر اليه وقد ارتسم على ملامح وجهها عدم الفهم مع بوادر الغضب، فتابع :
- انا مش بسألك بنية وحشة بالعكس انا عايزك تفهمي اللي عايز أقوله .
- وإيه هو اللي انت عايز تقوله؟
قالت بحدة لم تؤثر فيه، اردف بسؤال:
- قوليلي يازهرة انتِ اتخطبتي قبل كدة ؟
- لا .
نفت بقوة فابتسم بزاوية فمه بارتياح واومأ لها :
- اشربي اللي قدامك يازهرة ، انا طلبتك قهوة باللبن زي مابتحبي ، بس هي مختلفة شوية عشان هنا بيعمولها بشكل يجنن ، انا قاصد اجيبك هنا أساسًا عشان كدة .
نظرت الى الفنجان الذي يقصده فتفاجأت بحجم الرغوة التي تشكلت أمامها وكأنها قلوب ، رفعت رأسها ناظرة اليه بقوة تسأله
- هو انت عايز توصل لإيه بالظبط ساعدتك؟
- أوصلك انتِ
- إيه ؟
خرجت منها بخوف حقيقي وأكمل هو:
- انا عايز اتجوزك يازهرة ،
- أنا عايز اتجوزك يازهرة.
فور سماعها الجملة، ارتد ظهرها للخلف بصدمة تحدق به مبهوتة، مجفلة، نحو الرجل الجالس أمامها بهيبته المعتادة، صامتًا يراقب بتفحص وقع الجملة عليها، أردف لها :
- عارف انك مصدومة، بس انا راجل دوغري وماليش في اللف والدوران، انا عايز أتجوزك بجد .
رددت بشفتيها هامسة بعدم استيعاب :
- ازاي يعني ؟
أجابها مرددًا ببساطة:
- زي اي اتنين بيتجوزا يازهرة ، ماتعرفيش الناس بتتجوز ازاي ؟
رفعت عيناها اليه بنظرة غاضبة ، قابلها بابتسامة متلاعبة اثارت بداخلها الغيظ ، اردف ملطفًا :
- بلاش تفهميني غلط ، انا لو مش بحترمك ماكنتش دخلتلك من سكة الحلال، كنت جربت معاكي أساليب تانية، ما انا برضوا جاسر الريان .
تذكيرها بهويته أعادتها لنفس النقطة لعدم التصديق، أسبلت عيناها عنه وبداخلها تنتظر تفسيرًا ، تابع هو :
- أظن ان يعني في الفترة البسيطة اللي انتِ قضيتيها في الشغل معايا ، خدتِ فكرة عني تعرفك بأخلاقي .
رددت بعدم تركيز :
- بس انت متجوز.
- اعتبريني مش متجوز، ودا حقيقي على فكرة، كل اللي بين وبين ميري مسألة وقت مش أكتر، ثم انت هاتفرق معاكي في إيه؟
قطبت ناظرة إليه بعدم فهم، أكمل هو:
- وافقي يازهرة وانا موافق على كل اللي تطلبيه.
- كل اللي اطلبه !
رددت خلفه الجملة وهي تعيد تكرارها داخل رأسها بتشتت، ثم ما لبثت أن تسأله بفطنتها:
- عامر بيه عارف بالكلام ده حضرتك؟
- لأ مش عارف، وانا مش هاعرفه دلوقتِ وهو بيتعالج بعيد عني، ولا والدتي هاتعرف كمان عشان بنت اختها.
أومأت برأسها وقد صدق تخمينها تردد :
- يعني حضرتك عايز تتجوزني في السر؟
- بس دا وضع مؤقت يازهرة ، على ما تستقر أموري .
التوى فمها المطبق بابتسامة غريبة لم يفهما، قبل أن تتناول مشربها ترتشف منه صامتة عن الرد اليه بإجابة مفيدة تريحه .
...............................
خرجت غادة من الباب الرئيسي للشركة وهي تغمغم بالكلمات الحانقة ، بعد أن علمت من ساعي المكتب بمغادرة زهرة للشركة تقريبًا منذ ساعة .
- ماشي يازهرة ، بقيتي تخرجي وتمشي على كيفك دلوقتِ ، بعد ماكنتِ بتخافي ماتعدي الشارع من غيري ، طبعًا ماهي الترقية قوة قلبك، ماشي .
- انت بتكلمي نفسك يااَنسة ؟
شقهت مرتدة باقدامها للخلف ، حينما فاجئها هذه الثقيل بها وظهوره أمامها من العدم .
- يخربيتك هو انت متسلط عليا ياجدع انت؟ ناقصاك انا ولا ناقصة خفة دمك دي دلوقتِ .
تفوهت بها اليه ساخطة، فكان رده ضحكة سمجة وهو يردف :
- هههه عجبتني خفة دمك دي، اصلها حقيقة على فكرة .
جزت على أسنانها تود لو امتلكت المقدرة لضربه فقالت وهي تتحرك لتتخطاه :
- طيب ياخويا ، أسيبك انا بخفة دمك دي واستظرافك، مش فاضيالك .
غمغم من خلفها :
- الحق عليا اللي استنيت لميعاد انصرافك عشان اونسك بدل ما تمشي لوحدك بعد صاحبتك ماخرجت مع جاسر بيه وسابتك .
ابتسم بعرض وجهه وهو يرى تأثير كلماته الخبيثة، حينما استدارات اليه بأعين تقدح شررًا تسأله :
- انت قصدك ان صاحبتي انا، اللي هي زهرة.... خرجت مع جاسر الريان؟.
اجابها رافعًا حاجبه بتسلية :
- اَه امال ايه، دي حتى ركبت معاه في عربيته كمان ، وجاسر بيه الله يستره، استغنى عني في مشواره معاهم النهاردة ، باينه كدة عايز يريحني شوية .
اصبح جسدها يهتز من فرط انفعالها وهي تسأله مرددة:
- يعني كمان خرجت معاه لوحدها، وهي ازاي قبلت ؟
ردد هو بمكر :
- لا ياغادة مش لوحدهم ، عبده السواق كان معاهم .
- مش فارقة، تغور ماتغورش انا ايه هايهمني اساسًا، ايه اللي ها يهمني؟
بصقت كلماتها والتفت مغادرة بغضبها ونيران صدرها تحرق الأخصر واليابسة، قهقه هو من خلفها على هيئتها مرددًا لنفسه بمرح :
- الله يخرب عقلك ياواد ياإمام ، فتنت الاصدكاء في بعضيهم .
..........................
بداخل سيارته وهي جالسة بجواره في الخلف ملتصقة في الباب، مسبلة عيناها ولا تنطق ببنت شفاه ، من وقت أن اخبرها بعرضه وعرفت نيته، وهي على هذه الحالة ، كم مرة سألها وهي تجيبه بكلماتٍ مبهمة مقتضبة، أصابت رأسه الحيرة من جمودها وغموض موقفها، يريد استشعار رد فعل واحدة تؤنبه بشئ ولا يجد الطريقة.
- ااا كفاية لحد هنا وقف ياا.
قالت زهرة فجأة تخرج عن جمودها ، انتهزها فرصة ليخاطبها:
- يستنى ليه؟ هو انت بيتك هنا؟
سألها يقصد أحد الأبنية الكبيرة في الميدان ، أجابته على مضض:
- لا حضرتك احنا بيتنا في الحارة اللي ورا الميدان ، وقف هنا يااخ اا.
- اوقف ياباشا؟
قال السائق مخاطبًا جاسر الذي تفهم موقفها ، وأومأ له بالموافقة ، وفور أن توقفت السيارة قبض على مقبض الباب بجوارها مع ترك مسافة اَمنة بينهم قبل أن تترجل منها ، هامسًا :
- زهرة ، حاولي تفكري كويس في الكلام اللي قولته، انا مش مستعجل على الرد، خُدي وقتك .
اومأت برأسها دون أن ترفع انظارها اليه حتى تركها تترجل ، فخرجت مسرعة دون ان تلتفت ولا حتى تلقي السلام مع مغادرتها .
.........................
يعود رجل الأعمال يس من الخارج ليكتشف ان لوالده المتوفى ماض عاد ليفسد عليه حياته
تسير مسرعة بخطواتها وقد تنفست اَخيرًا الهواء الطبيعي بعيدًا عن محيط هذا الرجل ، مازالت حتى الاَن لا تصدق ماسمعته منه ، اَخر ما كانت تتصوره ان تلقى عرض الزواج من جاسر الريان نفسه، ذلك المتجبر والذي لطالما أخافها بتجهمه وجموده يطلب منها الاَن الزواج وفي السر ؟!
- زهرة ، زهرة .
التفت برأسها نحو مصدر الصوت وجدت أباها أمام مدخل ورشته يشير اليها بيده ليوقفها .
حركت رأسها أليه باستفسار، فأشار بيده لتذهب اليه ، اذعنت مغيرة اتجاه عودتها لترى مالذي يريده منها .
بعد قليل وبعد أن استمعت منه وهي جالسة أمامه بجمود متكتفة الذارعين، عاقدة حاجبيها، تنظر اليه بصمت .
- ها يازهرة ماسمعتش ردك يعني ؟
رددت خلفه :
- ردي في إيه بالظبط ؟
- ردك في اللي بحكي فيه بقالي ساعة ، في المصيبة اللي ورطتوني فيها انتِ وخالك وخطيبته واخوها الظابط، فهمي حالف ليطين عيشيتي بسببكم .
- بسببنا !!
تفوهت بها زهرة وهي على وشك الإنفجار ردًا على كلمات والدها ، وتابعت تجاهد ببعض التماسك .
- يعني انت تشرب وتاخد فلوس من واحد زي فهمي ، عارفه كويس ، وعارف نيته الوس...... ناحية بنتك ، واما خالي يتحرك عشان يدافع عني مع خطيبته المحترمة واخوها اللي بينفذ القانون مع واحد لبس العيال الصغيرين في السجن وخرج هو منها زي الشعرة من العجين عشان يحاسبك على غلطك معاه ، تقوم تحط غلبك فينا احنا !
وقف محروس قبالها مشددًا على كلماته :
- ماهو انتِ السبب ، لو كنتِ وافقتي من الأول مكانش دا كله حصل ، الراجل عايز يتاقلك بالدهب بس انتِ ترضي، هاتلاقي فين في حارتك الفقرية دي واحد زيه؟ واحدة غيرك كانت خدتها فرصة وخدت منه اللي هي عايزاه ، بس انتِ فقرية....
قاطعته صارخة :
- إييييييه؟ هي بيعة وعايز تكسب فيها ؟ ولا انا متحرم عليا اعيش اللي بتعيشه أي بنت في جوازة طبيعية مع واحد مناسب لها، بتحبه ويحبها ؟ ولا........
توقفت بحلقها الكلمات تبتلع الغصة ، لاتدى ان كانت موجهة كلماتها له ام لهذا الذي سبقه منذ قليل، فذهبت من أمامه مغادرة قبل أن تنفجر به مخرجة ماتراكم مافي قلبها نحوه منذ سنوات
ولجت لداخل بنايتها الذي أتت اليه مهرولة ، فتوقفت على أول درجات السلم تلهث بتعب من كل ما مر بيومها ، أخرجت هاتفها من حقيبتها الذي كان على وضع الصامت، فتفاجئت بكم الاتصالات الهائلة من غادة ، تجاهلتها واتصلت بمن تستطيع مساعدتها بالفعل،
- الوو... ايوة ياكاميليا ، تعالي والنبي اللحقيني بسرعة، انا حاسة نفسي في مصيبة.
................................
- يابت اهمدي بقى خايلتيني ، يخربينك
قالت إحسان مخاطبة ابنتها التي تقطع الغرفة أمامها ذهايابًا وإيابًا وهي تتاَكل من الغيظ، ردت غادة وهي تشير اليها بالهاتف :
- تعالي وشوفي بنفسك كام مرة اتصل بيها والست هانم مابترودش، طبعًا ماهي شافت نفسها عليا، بعد ما بقت تركب عربيات مع رجالة غريبة.
هتفت إحسان لتوقفها:
- يابت اعقلي بقى وبلاش كلامك ده اللي يودي في داهية، انتِ عايزة تأذيها وتأذي نفسك معاها؟
- وأذي نفسي معاها ليه بقى ها؟ كنت ركبت معاهم مثلًا وانا مش دريانة؟
تفوهت بها غادة وهي تمد برقبتها نحو والدتها الجالسة على طرف التخت أمامها، زفرت إحسان قبل أن تجذبها وتُجلسها عنوة بجوارها لتخاطبها :
- طب اقعدي بس واسمعي مني، كلام الجنان ده ماتهلفتيش بيه قدام حد ، عشان مايوصلش للبيه بتاعكم ويكدرك يابت الخايبة، او يطردك من شركته، دا انت ماصدقتِ تلاقيها .
ردت غادة وهي تضرب بكفيها على ركبتيها من الغيظ:
- طب اعمل ايه بس يامٌا؟ انا قاعدة محلك سر ، والهانم اللي طول عمري بقول عليها خايبة، شكلها كدة اتعلمت تلعب من ورا ضهري، بعد مااتقدمت عليا، هي والمحروسة كاميليا.
مطت شفتيها إحسان قائلة باستخفاف :
- ولا أي حاجة ياعين امك، عشان زهرة دي اللي انتِ خايفة منها ، ابوها مورط نفسه في مصيبة مع فهمي بسببها ، واخد منه فلوس بالهبل مهرها والبت رافضة، وفهمي حالف لخالك ياينفذ ويتجوزها ، يايجيبلوا الفلوس على داير مليم خلال اسبوع ، وانت طبعًا عارفة خالك ، ايده والأرض.
- يعني خالي لو غُلب في أمره ، هايجوزوا زهرة ؟
تسائلت غادة بابتسامة ترتسم على محياها ، ردت إحسان:
- أمال تفتكري يعني، خااالك هايقدر يسد ويدفع الفلوس في اسبوع .
نفت تحرك رأسها بارتياح وهي تعتدل بجلستها واضعة قدم فوق الأخرى تردد:
- ساعتها بقى اَخد انا مكانها عند جاسر بيه ، ماانا مش هافوت دي عند كاميليا ، مش هي وعدتني انها تتوسطلي بترقية، وساعتها بقى يبتدي الشغل الصح .
...................................
- معقووول ؟ انتِ بتتكلمي جد؟
سألتها كاميليا فاغرة فاهاها، وهي تهز برأسها وترمش بعيناها بعدم تصديق لما سمعته منها ، ردت زهرة بغضب :
- أمال يعني هاكون بهزر انتِ كمان؟ دي مصيبة واتحطت فوق راسي، قال وانا اللي كنت بسأل نفسي على عاميله الغريبة معايا ، اتاري البيه كان حاططني في دماغه وانا مش دريانة.
اومأت لها كاميليا بتفكير :
- عندك حق، انا عن نفسي في مرة من المرات شكيت ، بس استبعدت الفكرة من دماغي فورًا ، عشان معرفتي البسيطة بجاسر ، مخلتنيش اتوقع منه أبدًا حاجة زي ، بس انتِ هاتردي تقولي إيه؟
- ودي فيها رد ؟ انا مش معتبة الشركة دي تاني نهائي، وخلي الباشا يدورلوا على واحدة غيري بقى.
قالت زهرة بانفعال ردًا على سؤال كاميليا التي اعترضت :
- لا طبعاً ماينفعش الكلام اللي انتِ بتقوليه ده ؟ هو محل ملابس، دي وظيفة في شركة محترمة يابنتي ، يعني في أصول قبل ما تتصرفي بأي تصرف
هتفت زهرة بانهيار :
- اصول ايه بس ياكاميليا ؟ دا انا كنت بخاف منه من غير سبب، دلوقتِ بقى عايزاني اشتغل معاه وانا عارفة بنيته ناحيتي، دا ايه المرار ده بس ياربي.
زحفت كاميليا لنتحشر بجوارها تحت الفراش كي تضمها اليها، مربتة على ذراعيها تخاطبها بتهوين :
- على فكرة اللي انتِ شايفاه مرار ده ، في غيرك هايموت عليه، جاسر الريان ده مش راجل هين ، كون انه يبصلك دي حاجة كبيرة قوي تديكي ثقة في نفسك، تعرفك انك جميلة ومرغوبة بجد .
ردت زهرة ورأسها مستريحة على كتف كاميليا :
- كل ده ملوش قيمة عندي ياكاميليا ، انا عمري ماحلمت بواحد زي جاسر ده يبصلي، طول عمري بحلم بالعش اللي يضمني مع واحد يحبني واحبه، يكون مُتعلم ومتوظف في الحكومة أو شركة كويسة عشان ماتبهدلش في العيشة معاه، وانا اساعده بمرتبي، نعمل فرح الشارع كله يشهد عليه و نربي ولادنا بلقمة حلال، انا نفسي في عيشة عادية زي بقية البنات ياكاميليا ، حرام اعيش عيشة عادية؟
قالت كاميليا بحنان وهي تزيد بضمها :
- لا ياحبيبتي مش حرام أبدًا طبعًا ، أكيد ربنا هايديكي اللي بتحلمي بيه واكتر كمان ، بس تبقي قوية وماتخافيش من حد، ولو عايزة ترفضيه ، ارفضيه بقلب قوي كمان، ولو عالوظيفة تغور الوظيفة وان شاء الله ربنا يعوض باللي أحسن منها .
رفعت زهرة رأسها ناظرة إليها لتخاطبها برجاء :
- صح ياكاميليا، يعني انا ممكن اقول له لأ ،
واسيبلوا شركته واغور من وشه ؟
- ممكن طبعًا.
- طب ازاي ؟
- هاقولك ، بس قومي تعالي معايا الاول طمني رقية ، دي هاتموت من القلق عليكي .
قالت كاميليا وهي تسحبها لتنهض معها عن التخت ، استجابت زهرة لتخرج من الغرفة التي لازمتها من وقت أن عادت الى المنزل، لتذهب الى رقية التي كانت جالسة على دكتها بوسط الصالة، تسبح على مسبحتها بقلق على حفيدتها، وفور أن رأتها تهلل وجهها فهتفت بسخرية متصنعة الغضب:
- هل هلالك شهر مبارك ، اَخيرًا ياحلوة اتهز بيكي السرير وقومتي عشان نشوف وشك ؟
ردت بابتسامة زهرة قبل أن ترتمي تدخل في أحضان جدتها التي شددت عليها بذراعيها تنهرها بعتب :
- برضوا دي عمايل يازهرة ، تسبيني كدة على ناري بقعدتي هنا من غير ماتطمنيني عليكِ وانا هاموت واعرف اللي صابك .
ردت بصوت مكتوم داخل حضن جدتها :
- بعد الشر عليكِ ياستي، سمحيني مش هاتكرر تاني .
- لا كرريها ياختي عشان ادخل فيكِ السجن المرة الجاية .
قالت رقية بمزاح كعادتها استجابت له زهرة ضاحكة ، وردت كاميليا مضيقة عيناها.
- ياشرس انت، ماكنتِ زي القطة من شوية بس .
لوحت لها رقية بقبضة يدها مهدد بحزم مصنع :
- بس يابت انتِ، عشان ماحطش غلبي فيكِ دلوقتِ وانا على اَخري أساسًا وايدي بتاكلني .
هتفت كاميليا وهي ترتمي بجوارهم :
- ياااولد ياجااامد ، طب انا نفسي اجرب ايدك بجد بقى ياللا يارقية.
لكزتها رقية بخفة قبل أن تجذبها هي الأخرى داخل أحضانها مع زهرة، فخاطبت الاثنتان سائلة"
- عايزة اعرف منكم بقى ، ايه السبب اللي خلى زهرة تزعل كدة؟
- ضغط شغل ياستي .
خرجت من فاه الاثنتين ، قبل ان تلكزهم بقبضتها غير مصدقة :
- ضغط شغل برضوا ياولاد الجزمة...... فاكريني عبيطة؟
...........................
في اليوم التالي
كانت جالسة على مكتبها تردد في الأدعية والسور الحافظة ، واطرافها ترتشعش من الخوف في انتظاره، تشعر بجفاف حلقها كل دقيقة ، لترتشف من زجاجة المياه الموجودة على سطح المكتب، ثم تعود لترديد الأدعية مرة أخرى ، أجفلت حينما ولج فجأة اليها داخل الغرفة الواسعة بخطواته السريعة، قبل أن يبطئها وهو يقترب منها ، وقفت هي احترامًا له.
- صباح الخير
القى التحية وعيناه تتفحص وجهها بدون تحفظ كعادته، خرج صوتها برد التحية بصعوبة وعيناها لا ترفعها اليه:
- صباح الخير يافندم .
- عاملة إيه ؟
أجفلها بسؤاله فارتفعت عيناها اليه دون إردتها تومئ برأسها :
- تمام يافندم والحمد لله، ااا انا كنت عايزة اقولك اي....
- تعالي المكتب جوا وقولي اللي انتِ عايزاه ، انا مستنيكِ.
قال كلماته وخطى ذاهبًا نحو مكتبه على الفور، ارتفعت شفتها العليا وهي تنظر في اثره مرددة بدهشة :
- هو فاكرني هاقوله إيه ده ؟
.................................
بعد قليل وبعد ان قرأت الاَيات المنجيات على باب مكتبه ، وفعلت تمارين الشهيق والزفير عدة مرات قبل أن تطرق ويسمح لها بالدخول ، وصلت لتقف أمامه ودون أن تنطق ببنت شفاه وضعت الورقة التي بيدها على سطح المكتب.
- إيه دي ؟
سألها قاطبًا وهو يرمق الورقة التي أمامه بنظرة سريعة، ظلت هي على صمتها ، مطرقة راسها للأسفل، تناول الورقة ليقرأها، فارتفع حاجبيه يردد بدهشة:
- دا طلب استقالة ، افهم من كدة ان دا ردك على عرضي ؟
ابتلعت ريقها وهي تجاهد للسيطرة على ضربات قلبها السريعة لتجيبه بتماسك :
- لا طبعًا حضرتك بس دا منعًا للحرج .
- مش فاهم يازهرة وضحي أكتر، موافقة على عرضي ولا لأ.
قال بحدة ويده تطرق بالقلم على سطح المكتب ، استجمعت شجاعتها وهي تتذكر توصيات كاميليا لها بالأمس، فنفت برأسها المتشنجة تردد:
- لا حضرتك ، وارجو منك تتقبل أستقالتي .
صمت قليلًا وظل صوت قلمه الذي يطرق به على سطح المكتب هو سيد الموقف ، وظلت هي على وضعها لاتستطيع أن تواجه عيناه التي تشعر بسهامها المسلطة عليها تكاد أن تُرديها قتيلة ، ثم مالبث أن يرد بهدوء مريب أدهشها:
- تمام يازهرة، دا كان عرض مني وانتِ رفضتيه براحتك طبعًا.
رفعت اليه عيناها تسأله :
- طب والإستقالة حضرتك هاتمضيلي عليها طبعًا مش كدة؟ .
حرك رأسه بالرفض قائلًا باقتضاب :
- لأ .
- لأ ليه حضرتك ؟
سألته تريد تفسيرًا ، أجاب بلهجة مسيطرة :
- عشان مش انا الراجل اللي يغصب واحدة ست على جوازه منها، ولا انا الرئيس اللي يضيق على موظفته عشان رفضت عرضه، انا قولتلك براحتك يعني مافيش داعي لمخاوفك دي كلها .
تنفست قليلًا وقد أدخلت كلماته بعض الإرتياح بقلبها ، فقالت مستغلة طيبته الجديدة عليها :
- طب مدام كدة يافندم ، يبقى رجعني تاني لمكتب الأستاذ مرتضى ، احسن برضوا .
- اخرجي دلوقتي يازهرة.
- نعم !
اردفت بها مندهشة لتجد ملامح وجهه تحولت فجأة وعاد الى تجهمه المعتاد مع انقلاب حاجبيه وهو يهدر عليها:
- الموضوع وخلاص اتقفل، يبفى قفلي على كدة انتِ كمان وارجعي شغلك حالاً ، دلوقتِ يازهرة .
مع صيحته الاَخيرة انتفضت ترتد بأقدامها لتخرج مغادرة من أمامه على الفور .
خارج مكتبه تنفست الصعداء اخيرًا واضعة يدها على قلبها الذي هدأت سرعاته قليلًا ، زفرت وهي تسقط على كرسي مكتبها ، تمسح بكفيها على وجهها حامدة ربها على مرور هذه اللحظة العصيبة وانتهاءها على خير ، وجدت هاتفها يصدح بدوي صدور مكالمة ، التقطته سريعًا لتجيبها على الفور :
- الوو...... ايوة ياكاميليا .
- عملتي ايه يازهرة طمنيني ؟
زفرت مرة ثانية مع سؤال صديقتها الذي أتى سريعًا قبل أن تجيبها وعيناها على باب مكتبه، بصوت خفيض وحذر :
- هو قالي براحتك انك ترفضي أو توافقي وانا مبغصبش واحدة ست على جوازها مني ولاهاضيق عليكِ عشان رفضتيني .
ردت كاميليا :
- طب كويس والله راجل محترم .
هتفت زهرة جازة على أسنانها :
- أيوة ياختي بس مرديش يمضيلي عالإستقالة او حتى يرجعني عند الأستاذ مرتضى ، يعني مشكلتي معاه مستمرة ، انا بخاف منه بجد ياكاميليا، ونفسي بقي الاقي حل لمشكلتي دي.
ردت كاميليا بحزم من جهتها :
- بس يابت اعقلي كدة وخليكِ جامدة ، تخافي منه ليه ان شاء الله هو هاياكلك؟ مدام طمنك من جهته يبقى خلاص بقى ، شوفي شغلك تمام عشان ماتديهوش فرصة يضيق عليكِ زي ماقال ، وعلى فكرة بقى ، جاسر الريان محترم بجد يعني مابيقولش كلام في الهوا، فاطمني بقى.
ردت زهرة وهي تستوعب كلمات صديقتها
- يارب ياكاميليا يطلع كدة زي ماقولتي ، عالعموم انا ححاول اللتزم زي ماقولتِ واما اشوف اَخرتها إيه.
- اَخرتها خير ان شاء الله .
- طب بقولك إيه؟ ماتنسيش بقى ميعادنا، عايزة اللحق البنك قبل مايقفل.
قالت زهرة وردت كاميليا بسؤال :
- تمام انا معاكِ ، بس انتِ ميعاد انصرافك على تلاتة العصر ، جاسر الريان هايسمحلك بقى بالانصراف بدري .
خبطت زهرة بكفها على جبهتها بإحباط مرددة:
- مش عارفة .
.................................
مر اليوم بعملها بروتيتية عادية دون تغير تشعر به ، سوى تجاهله لها كلما دلفت اليه بمستند او ملف ضروري ، يومئ لها بيده على سطح المكتب لتضعه أمامه، دون أن يرفع رأسه اليها، ومن جهتها كانت تعمل بجدية وتركيز حتى لا تعطيه فرصة للتضيق عليها كما ذكرت كاميليا، ولكن ارتباطها مع كاميليا للحاق بميعاد البنك قبل ان يغلق ، جعلها على صفيحٍ ساخن من القلق ، حتى أجمعت أمرها للدلولف اليه بشجاعة وطلب الإنصراف مبكرًا عن موعدها
............................
- نعم يا اَنسة وعايزة تخرجي بدري ليه ان شاء الله؟
كان رده بسؤاله السريع على طلبها ، أجفلت من عودة فضوله الغريب نحوها ، وحاولت الرد بزوق وعدم الخطأ :
- عادي يافندم ، عايزة اخرج بدري في أمر ضروري يخصني.
ترك مابيده واعتدل بظهره للخلف بالمقعد يسألها بسماجة وتصميم :
- وانا بقى يازهرة ماينفعش اسمحلك بالانصراف، غير لما اعرف السبب واشوفه يستاهل ولا لأ.
- من فضلك ياجاسر بيه ، انت قولت بنفسك انك مش هاتضيق عليا ، وانا دلوقتِ بترجاك في أمر ضروري .
أجفلته بجرأتها على تذكيره بوعده اليوم لها ، ضيق عيناه واصبح يصك على فكه غيظًا منها ومن رأسها العنيدة ، ثم رد على مضض وهو يزفر من أنفه دخانًا:
- ماشي يازهرة هاسمحلك بالانصراف ، عشان مابقاش المدير الظالم اللي بيضيق على الموظفة اللي عنده.
انتشت داخلها وهي تحاول جاهدة كبت ابتسامة النصر ، فتحركت لتخرج مستنئذنة بلطف :
- الف شكر ليك يافندم ، عن اذنك بقى .
أوقفها هادرًا فور أن التفت تنوي الخروج من مكتبه :
- بس بقى مافيش بريك النهاردة يازهرة.
استدرات بكليتها اليه وعلى وجهها ابتسامة جميلة ، أنسته موقفها العنيد ورفضها له اليوم بل أنسته نفسه ، وهي تقول بأدب :
- تحت أمرك يافندم .
وخرجت من أمامه متهادية بخطواتها رغم شعورها بعدائيته نحوها وصوت أنفاسه الهادرة خلفها تكاد أن تصل لأذنها .
................................
فور خروجها تفاجأت بغادة الواقفة أمامها بجوار المكتب .
- غادة انتِ هنا من إمتى ؟
سألتها زهرة وهي تتوجه ناحية الجلوس خلف مكتبها ، ردت غادة وهي متكتفة الذراعين :
- انا هنا من زمان ياحبيبتي ، انتِ اللي اتأخرتي جوا ، كل ده بتشتغلوا ؟
أجابتها زهرة بحسن نية وعدم تركيز :
- أمال يعني هاكون بلعب انتِ كمان ؟ المهم بقى انت ليه جيتي الشغل بدري النهاردة ومااستنتنيش اَجي معاكي زي كل يوم ؟
- عادي يعني ، ماانت كمان بقيتي تروحي عالبيت من غير ماتقوليلي .
قالت غادة بتلميح عن الأمس فهمته زهرة فردت تجيبها :
- يابنتي امبارح كنت في ميعاد شغل مع جاسر بيه ، معلش ملحقتش اقولك وحتى من تعبي بعد ماجيت، نمت زي القتيلة ومارديتش على اي حد في التليفون .
- امممم
صدرت منها مبهمة ثم تابعت وهي تلعب بخصلة من شعرها :
- طب وعلى كدة بقى انت هاتروحي معايا النهاردة ولا برضوا معاكي مشوار مع الباشا؟
أسبلت عيناها زهرة وقد انتبهت اَخيرًا على تلميحاتها ، فقالت مصححة ومشددة على كل حرف :
- ماسموش ميعاد مغ الباشا، اسمه ميعاد شغل ، الراجل اللي جوا ده يبقى مديري وانا السكرتيرة بتاعته، مش رفيقته ولا صاحبته ، وردًا على سؤالك ، لا ياستي مش ماشية معاكي النهاردة ، عشان عندي مشوار مهم مع كاميليا ، هاتاخدني بعربيتها توديني البنك عشان اوفر عليكِ السؤال كمان .
قالت غادة بعكس مايدور بنفسها :
- يعم وانا مالي ، تاخدك بعربيتها ولا تجيبك حتى ، انتِ فاكراني هابصلكم كمان ولا إيه ؟
همت لترد زهرة ولكن دوى صوت هاتف المكتب الداخلي ، فتناولته لترد ، فتفاجأت بصياحه :
- فين ملف مناقصة الحديد يازهرة ، انا مش منبه عليكِ تجيبيه .
- يافندم ماهو عندك مع بقية الملفات اللي دخلت بيها من شوية .
صرخ هادرًا حتى كاد أن يصم أذنها :
- هو انا لو شوفته ولا لقيته ، كنت هاتصل بيكِ وازعجك ياست زهرة، اخلصي يالا اتصرفي واجيببه .
- ططيب ثواني هادخل واشوفوا .
قالت بتلعثم ثم تحركت سريعًا نحو مكتبه ، تاركة غادة التي تتلاعب بشعرها بعدم اكتراث .
دلفت اليه تشير بيدها أمامه نحو سطح المكتب :
- انا جيبته مع مجموعة الملفات اللي دخلت بيها من نص ساعة ، ممكن تكون اللي قدامك دي .
- اتفضلي طلعيه انتِ بنفسك ، انا مش مدور على حاجة .
هتف غاضبًا وهو يضرب بقبضته على سطح المكتب أمامها ، تحركت باَلية نحو خلف المكتب بجواره، تبحث عن الملف بتركيز وسط المجموعة المذكورة وبعض الملفات المتناثرة بفوضوية امامه.
ورغم المسافة الاَمنة بينهم إلا انه ارتبك فجأة مع حضورها بجواره، أسكرته رائحتها المسكية، والتي لا يعرف ان كانت هذا عطرًا ام أنه شئ اَخر لا يعلمه، توقف عقله عن العمل وتوقف الزمان والمكان وهو يشعر بحضورها قد ملأ المحيط من حوله .
استقامت فجأة ملوحة له بالملف :
- أهو يافندم ، الملف اللي انت طالبه .
اشار بيده اليها لتضعه أمامه ، فاقدًا القدرة عن الكلام أو تصنع الجديدة ، أذعنت تنفذ أمره باستغراب وتخرج بناءًا على إشارة سبابته لها للخروج .
بعد مغادرتها ظل لبعض اللحظات يجاهد لاستعادة ذهنه جيدًا وهو يفرك بكفه على صفحة وجهه، حتى فاض بهِ ، فدفع بقلمه الذهبي نحو الحائط بقوة ليقع منكسرًا على الأرض ، وبسرعة تناول هاتفه يتصل بيده اليمنى كارم والذي ما ان أجاب ، خاطبه جاسر بأمر :
- اسمع ياكارم ، سيب اللي في إيدك وتعالالي حالًا دلوقتي ، عايزك ضروري
تقود سيارتها وصوت ضحكاتها التي لا تتوقف تكاد تصل للمارة في الشارع ، حتى انها كانت تضرب بكفيها على عجلة القيادة من فرط مرحها ، مما اضطر زهرة التي كانت تشاركها الضحك للكزها بمرفقها على خصرها حتى تنتبه للطريق :
- يابت بس الله يخربيتك هاتودينا في داهية .
- مش قادرة والنعمة ماقادرة ههههههه.
لكزتها مرة أخرى قبل ان تيأس منها وتوجه نظراتها نحو النافذة ، وبعد أن هدأت كاميليا قليلًا خاطبتها :
- ماتزعليش مني لو كنت غلست عليكِ ، بس بجد انا مش قادرة، جيبتي منين الجرأة دي يازهرة ؟ ومع مين ؟ مع جاسر الريان ؟
أجابتها زهرة بابتسامة شقية:
- والله مااعرف اهي جات كدة بقى ، بس كمان هو خنقني بإصراره انه يعرف رايحة فين ؟ وانا بقى دبيت الجملة وانا بايعة بصراحة، يطردني بقى يقعدني ، براحته .
ردت كاميليا وهي تضحك بمكر :
- بعد اللي قولتيه دا ياحبي ، لايمكن اتوقع انه يطردك، بقى جاسر الريان ياناس، يسمح لموظفته انه تتحداه كدة، دي حاجة ولا في الخيال .
خبئت ابتسامة زهرة وهي تسألها بارتياب:
- تقصدي ايه ياكاميليا بكلامك ده ؟
أجابتها كاميليا بابتسامة :
- بصراحة مش عارفة، بس انا اسمع يعني عن المثل اللي بيقول ، حبيبك يبلعلك الزلط .
- حب ايه وكلام فارغ ايه انتِ كمان؟ قفلي عالسيرة دي ياكاميليا قفلي .
قالت زهرة وقد تغير لون وجهها وشحب، ردت كاميليا التي انتبهت لها :
- خلاص ياستي هاقفل ولا تزعلي .
زهرة بتردد :
- مش حكاية ازعل، بس انا مصدقت اني خلصت من الموضوع ده ، مش عايزة افتح فيه تاني .
ابتعلت كاميليا كلماتها حتى لاتزعجها، وفضلت تغير مجرى الحديث :
- طب ايه ؟ احنا وصلنا المنطقة اللي انتِ قولتي عليها ، مكتب الراجل السمسار دا فين بقى؟
أجابتها زهرة وهي تشدد بذراعيها على حقيبة النقودة الموضوعة بحجرها:
- اخر الشارع ياكاميليا ، هتلاقي يافطة كبيرة اوي مكتوب عليها باللون الأخضر اسم السمسار ماهر بركات.
قادت قليلًا كاميليا حتى وصلت للعنوان المذكور، فوقفت بسيارتها امام البناية التي معلق عليها اليافطة ، ترجلت هي وزهرة التي كانت تحتضن في حقيبة النقود بتخوف ، حينما دلفن الى داخل المكتب وجدن الساعي فقط أمامهم ينظف أرضية المكتب، سألته زهرة :
- السلام عليكم، استاذ ماهر بركات موجود؟
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، لا حضرتك، ماهر بيه خرج مع زبون من شوية .
كان رد الساعي ، سألته زهرة بتوجس :
- طب وهايرجع امتى، انا عايزاه ضروري .
- والله حضرتك معرفش هايرجع امتي ، بس هو مدام اتأخر كدة يبقى أكيد بيفرج الزبون على اماكن تانية وممكن يستنى مايرجعش المكتب تاني النهاردة .
- يعني مافيش فرصة انه يرجع النهاردة؟
سألته كاميليا فكان رد الرجل بضحك :
- والله حضرتك لو عايزة انتِ والاَنسة تستنوا براحتكم ، بس انا مضمنش بقى انه يجي مدام اتأخر كدة.
تبادلت الفتاتين النظرات بإحباط ، قبل أن يغادرن بيأس .
في طريقهم للعودة للمنزل خاطبتها كاميليا :
- خلاص يازهرة ، النهاردة بكرة واحدة يعني مفرقتش .
ردت زهرة بحزن :
- لأ فرقت ، عشان انا كنت عايزة افش غلي دلوقتِ وارميهم في وشه ابن الورمة ده ، بعد ما هددني اَخر مرة انه هايفسخ عقد الشقة لو اتأخرنا أكتر من كدة .
عادت كاميليا للضحك مرة أخرى مرددة لها :
- بقيتي شرسة أوي انتِ يازهرة ومعندكيش صبر ، طب ما احنا نيجي بكرة ان شاء وبرضوا نرميهم في وشه ، زعلانة ليه بقى ؟
- زعلانة عشان هاستغلك واتعبك معايا تاني ، ماهو انا بصراحة ماينفعش انزل بالشيلة دي في الموصلات ، الواحد مايضمنش .
قالت زهرة ببعض الحرج ، وردت كاميليا بترحاب :
- ياستي استغلي براحتك وانا موافقة، هو انا جايبة العربية وبدفع اقساطها اللي بالشئ الفلاني دي كل شهر ليه بقى ؟ عشان ابات فيها مثلًا؟
- طب والمصيبة اللي على رجلي دي هاعمل فيها إيه من هنا لبكرة وانا عندي شغل بكرة الصبح .
سألتها زهرة بحيرة، أجابتها كاميليا بلهجة مطمئنة :
- يابنتي سيبيها في البيت وانا هعدي عليكي بعربيتي أخدك من الشغل على بيتكم ، تسحبي الشنطة وبعدها نروح عالسمسار على طول نخلص .
تنهدت زهرة قائلة بامتنان :
- ريحتي قلبي بكلامك ده، ربنا يريح قلبك ياكوكو وتتجوزي اللي انتِ بتحلمي بيه؟
رددت خلفها كاميليا وهي تتنهد بابتسامة حالمة :
- يارب يااختي يارب
........................
دائماً ما تحركنا اطماعنا دون النظر لأى شئ اَخر ، حتى اُتنزعت الرحمه من قلوبنا ولم نعُد ننظر لقرابه أو صلة رحم . ولكن من المخطئ ، العجوز الذى تزوج الفتاه الصغيره ام ان ا...
طلبتها للجواز كدة على طول من غير مقدمات ؟ طب كنت جرب الأول الطرق الودية، يمكن كانت لانت معاك من غير جواز أصلًا .
سأله طارق بدهشة وهو جالس معه أمام بار المشروبات في الملهي الليلي، رد جاسر بنزق وهو يرتشف من كأس المشروب الذي بيده :
- زهرة محترمة ماينفعش معاها أي طريق تاني غير الحلال.
- ياسلام طب أهي رفضتك ياناصح ، دي تلاقيها خدتها فرصة وقالت تطمع فيك.
ردد جاسر ردًا على كلمات صديقه.
- تطمع في إيه ؟ دي قدمت طلب استقالة وكانت عايزة تسيب الشغل .
- كمااان!
اردف بها قبل أن يرتشف من مشروبه هو الاَخر ، ثم قال بتفكير وهو يستوعب كلماته :
- دي جريئة أوي بقى انها ترفض جاسر الريان ذات نفسه ، هي تطول واحد زيك أساسًا يبصلها ؟
رمقه جاسر بنظرة حانقة قبل يرد بابتسامة جانبية ساخرة :
- زهرة مش جريئة أساسًا على فكرة ، بالعكس بقى دي بتخاف من خيالها ، بس بقى هي دماغها ناشفة حبتين وتفكيرها مختلف شوية .
- طب وانت تتعب نفسك معاها ليه؟ اقبل استقالتها وريح دماغك .
تنهد بثقل وهو ينظر لكأسه صامتًا لعدة لحظات وانتبه عليه طارق الذي كان يحدق بهِ بتفكير، ثم قال باقتضاب :
- مش قادر ياطارق ، مش قاااادر.
هم ليرد طارق ولكن أوقفه ظهور إحدى الفتيات من عاملات الملهى وهي تتقرب منهم بملابسها العارية وابتسامة لعوب على شفتيها توقفت فجأة من نظرة مخيفة رمقها بها جاسر ، قبل أن يشير لها بسبابته فارتدت هاربة من أمامهم.
ردد طارق الذي تابع ذهاب الفتاة بأسى:
- يخرررب عقلك حرام عليك طفشت الرزق ، إيه ياأخي؟ هي البت لحقت تتكلم حتى ؟ طب نديها فرصتها، يمكن تطلع كويسة وتنسيك البت اللي شاغلة تفكيرك دي.
اومأ بذقنه جاسر قائلًا بازدراء :
- انتِ عايزة دي..... تنسيني زهرة ؟
قطب طارق يقول بابتسامة مندهشًا :
- غريب أوي انت ياصاحبي، مرة تبقى زير نسوان ، كل يوم مع واحدة شكل ، ومرة تكرهم مرة واحدة وبعدها ترجع مصمم على واحدة بس ، وكأن متخلقش غيرها؟
رد جاسر بجدية:
- اولًا انا عمري ما كنت بتاع نسوان وانت عارف كدة كويس ، دي كانت فترة وعدت بعد ماخفيت ورجعت للحياة بعد الحادثة، اما بخصوص زهرة ....
صمت قليلًا بتفكير ثم استطرد :
- مش عارف بصراحة الاَقي تفسير للي بيحصلي بمجرد مااشوفها، عندي رغبة قوية إني امتلكها ومتبقاش لراجل غيري، أي همسة منها بتقتلني من جوا .
قطب طارق مرة اخرى يتفحصه باندهاش والاَخر تابع بشرود :
- عليها ابتسامة بتحرق قلبي لما اشوفها بتوجها لحد غيري ، ضحكتها من يوم ماسمعتها وانا بعيد تكرارها في عقلي ليل ونهار من روعتها ، كل حاجة فيها بت.....
قطع كلمته يتوقف عن استرساله وقد استفاق اَخيرًا ، ليجد صديقه يحدق بهِ مضيقًا عيناه بتركيز ويخاطبه :
- كمل ياجاسر ، وايه تاني؟
- أكمل ايه تاني انت كمان؟ هي حكاية ؟
قال جاسر بدفاعية مرتبكًا ، أجفله طارق يسأله :
- انت متأكد ان اللي حاسس بيه تجاه البنت دي مجرد رغبة ؟
ارتبك أكثر فنهض عن كرسيه فجأة قائلًا بتوتر :
- انت باينك متقل في الشرب وبتخرف وانا معنديش وقت ليك ياعم، سلام .
تفوه بكلماته وذهب على الفور أمام نظرات صديقه الذي ظل صامتًا يتتبع أثره حتى خرج من الملهى .
............................
وعند محروس الذي اللتزم مكانه بداخل المنزل ولم يعد يخرج سوى للعمل، بعد تهديد فهمي له وعصيان ابنته الذي يعلم تمام العلم ، أنه لو ضغط عليها سوف تتجه لخالها حامي الحمى دومًا لها، بالإضافة لخطيبته المحامية أو شقيقها رجل الأمن، ضرب جبهته بيأس وحيرة، وصداع رأسه يكاد يفتك بها ، لا يعلم ما الحل القريب لهذه المعضلة، كان يجب عليه أن يتروى قبل أخذه المال، ولكن كيف كان سيفعلها ورؤيته للمال الذي وضعه فهمي أمامه ليضغط على نقطة ضعفه وحاجته اليه ، شلت عقله عن التفكير، كيف يرفض واحتياجات رأسه من المكيفات أصبحت متوفرة فجأة وبكثرة ، كيف سيرد لفهمي مبلغه الاَن والذي تحصل عليه من الزبائن وتداين به لأصدقائه لا يكمل العشرة الاف؟ كيف سيقنع ابنته لترحمه من هذا الذل بموافقتها على فهمي؟ هو يعلمها جيدًا ، على قدر رقتها وهشاشتها فإنها تملك رأسٍ عنيدة كالثور، ولكنها طيبة فليعمل على هذه النقطة ويحاول معها من جديد..
في صباح اليوم التالي تفاجأت به زهرة وهي تهبط الدرج كي تذهب الى عملها ، واقفًا أمام باب شقته وعيناه للأعلى، كأنه في انتظارها، القت عليه التحية بتردد كي تتخطاه وتذهب :
- صباح الخير.
- صباح النور ، هاتمشي وتسيبي ابوكي في المصيبة اللي واقع فيها يازهرة .
ردد بتعجل كي يوقفها، فالتفت اليه ترد من تحت أسنانها :
- ياصباح ياعليم يارزاق ياكريم، يعني عايزني اعملك ايه بقى؟ هو انا اللي كنت وقعتك في المصيبة اللي انت بتقول عليها دي ؟
قال بمسكنة:
- لأ ماوقعتنيش، بس انا لما وافقت على فهمي كان غرضي انك تتستري مع واحد غني، يريحك من الشقا، وقبلت بفلوسه مهر عشان اجهزهك، بعد ما اسدد ديوني واشغل ورشتي من تاني .
ردت زهرة وهي تجاهد لضبط النفس:
- برضوا مش فاهمة ، انا ايه دخلي بوقعتك مع فهمي ؟ انت عارف من الأول اني مابطيقهوش ولا اطيق سيرته ، تقبل ليه تاخد فلوسه؟
- مالكيش دخل وانا غلطت ياستي ، بس اهو دلوقتِ ماسكني من إيدي اللي بتوجعني، دا ممكن يخلص على ابوكي واخواتك يتشردوا يازهرة ، يرضيكِ يابنتي؟
التمعت عيناها وهي تحدق به صامتة بحزن ، فقد استطاع ان يجد مدخله أليها ، ثم ما لبثت ان ترد قائلة بأسى :
- كان نفسي اساعدك والله ، بس بصراحة مقدرش ، سامحني يابويا.
القت بكلمتها الاَخيرة وتحركت تهبط بقية الدرجات مسرعة من أمامه ، تخفي عنه سيل دمعاتها على وجنتيها بحزن يعصر قلبها.
تابعها بعيناه وهي تغادر، يجز على اسنانه من الغيظ.
- حتى حياتي هانت عليكِ يابت ال....... ماشى يازهرة ، ماشي.
ارتد ليعود داخل منزله يتناول وجبة فطوره قبل الذهاب للورشة ولكن استوقفه هذا الحديث الدائر بين صفية ووالدتها داخل غرفتها :
- والله ياماما زي مابقولك كدة ، الشنطة كانت متعبية بالفلوس اللي سحبتها زهرة من البنك امبارح ، دا انا اول مرة اشوف رزم الورق الجديدة وريحتها اللي تشرح القلب، ميات كلهم والورقة فيهم تجرح الطير زي ما بيقولوا .
- والله يابنتِ مافيش حاجة بعيدة عن ربنا ، خالد تعب وكبر قوي على ماقال ياجواز ، ربنا يقرب البعيد ويتجوز زميلته المحامية دي قريب بقى، قادر ياكريم .
قالت سمية ، ورددت من خلفها ابنتها بلهفة :
- ان شاء الله ياماما السنة دي يخلص اقساط الشقة، زهرة بعد ماترجع من شغلها النهاردة هاتسدد اقساط خمس اشهر يعني خمسين الف جنيه ، يبقى كدة سدد نص تمن الشقة والنص التاني هايبقى حاجة هينة ان شاء الله ، ياما نفسي احضر فرحه في قاعة زي اللي بنشوفها في التليفزيونات كدة ياماما ، دا هايبقى حلو قوي جمب مراته اللي زي القمر دي .
اكتفى بهذا القدر محروس وخرج على الفور بخفة كما دلف بخفة، يسوقه شيطانه ، غير عابئ بشئ سوى نجاة نفسه!
...................... .
ينظر الى سيده الذي يقلب في اوراق الملف الذي أمامه ويقرأ فيها بتركيز ، وعدد من الأسئلة الملحة داخل رأسه ، يريد إجابتها .
- هي دي كل المعلومات اللي عندك ؟
سأله جاسر باهتمام ، اجاب كارم :
- حضرتك دي معلومات سريعة جمعتها بعد ماطلبت حضرتك مني امبارح .
- ابوها شغال منجد ! يعني إيه؟
اجاب كارم على سؤال سيده بابتسامة:
- منجد حضرتك، دا يبقى الصناعي اللي بيعمل مراتب القطن وكنب الصالون وحاجات شبهم .
- يعني راجل كويس ؟
ردد كارم بابتسامة متوسعة:
- كويس دا ايه بس ياباشا؟ دا راجل برشامجي وبيمشي بس بكيفه ، بنته اساسًا متربية مع خالها وستها بعد ما والدتها ما اتوفت واتجوز غيرها .
اومأ برأسه يستوعب الكلمات واستطرد كارم :
- انا شوفت البيت اللي ساكنينه ، حاجة بجد مؤسفة ، قديم قوي واَيل للسقوط ، تقريبًا المباني اللي في الحارة كلها اَيلة للسقوط، بس هو انت يعني شاكك في حاجة ياباشا؟.
- حاجة إيه اللي اشك فيها؟
سأله جاسر بعدم فهم ، رد كارم باضطراب :
- قصدي يعني في سلوك البنت أو سيرتها.......
- ماتكملش ياكارم احسنلك .
اجفله بمقاطعته الحادة مما اثار الريبة بداخله، أكمل جاسر باعين تقدح شررًا :
- انا لو شاكك فيها مش هاشغلها عندي أساسًا ، ثم دي حاجة تخصني، و انت من امتى بتسأل ولا تتدخل في أي حاجة بطلبها منك ؟
- اَسف ياباشا.
اعتذر بأدب ، تقبله جاسر واستطرد بأمر سلطوي:
- عايز معلومات تانية أكتر من كدة ، وطبعًا مش عايز أنبهك عالسرية .
................................
خرج كارم من مكتبه وتوجهت عيناه على زهرة يخاطبها بزوق وهو يخطو بتمهل :
- عاملة ايه يازهرة النهاردة؟
اجابته رغم دهشتها :
- الحمد لله كويسة، متشكرة يااستاذ كارم عالسؤال .
- لا شكر على واجب ياستي ، الباشا جوا طالب الملفات اللي قالك عليها من شوية .
قال كارم بابتسامة وهو يومى بسبابته للخلف، ردت وهي تنتفض من جلستها تتناول الملفات المطلوبة :
- تمام ياكارم وانا جهزتهم ، حالًا داخلة بيهم .
- ربنا يعينك .
تفوه بها وخرج على الفور ، مما جعل زهرة تنظر في اثره لعدة لحظات بدهشة
بعد قليل وحينما دلفت اليه بداخل المكتب وبيدها عدد من الملفات لتضعها أمامه بعملية ، كان بجلسته على كرسيه لا يفعل شئ سوا النظر اليها ، ويده تتلاعب بالقلم الجديد .
- عايز حاجة تاني يافندم ؟
صمت قليلًا وعيناه لا تُحيد عنها ثم رد بتمهل:
- عدلتي الملف اللي قولتلك عليه من شوية؟
قالت وهي تشير بسبابتها نحو المجموعة التي أمامه :
- طبعًا يافندم وحتى شوف بنفسك .
- طلعيه وخليني اشوفه.
قال بلهجة مسيطرة وهو يومئ لها بعيناه نحوهم ، أذعنت لأمرها رغم دهشتها واقتربت من أمام المكتب تخرج له الملف المطلوب دون الألتفاف من ناحيته ، عيناها لا ترفعها اليه كالعادة ولكنها تشعر بتحديقه الفج بها دون حياء .
- اهو يافندم .
وضعت الملف أمامه واستقامت لترتد باقدامها للخلف تخاطبه:
- عايز حاجة تاني يافندم ؟
رمق الملف بنظرة سريعة ثم ارتفعت عيناه اليها بصمت ونفى برأسه .
ارتدت تخرج بعملية رغم استغرابها من حالته، اغمض عيناه هو بعد خروجها يتنهد بثقل ، ويدها تطرق بالقلم على سطح مكتبه بتفكير.
.....................................
ايه دا بقى ؟ جبتهم منين دول ؟
سأله فهمي رافعًا حاحبه المقطوع في المنتصف وهو يتفحص في رزم النقود داخل الحقيبة التي أمامه على الطاولة، أجاب محروس بثقة وهو يجلس على مقعده مقابله:
- وانتِ مالك بقى جبتهم من انه داهية ؟ انت ليك فلوسك واتردتلك على داير المليم ، ليك حاجة تاني عندي ياباشا؟
ضيق عيناه فهمي صامتًا يحدق به بتفكير وهو ينفث دخان الشيشة من أنفه ، كرر محروس بثقة:
- ماردتيش يعني ياباشا، ليك حاجة تاني ؟
- حسك طلع يامحروس وشوفت نفسك ، شكلك كدة معبي ايدك ، مش ناوي تريحني وتقولي جبت الفلوس منين ؟
- يوووه هي شغلانة بقى؟ ماقولنا فلوسك واتردتلك ، انت هاتعملي فيها تحقيق ؟
بصق كلمته الاَخيرة ونهض يغادر من أمام فهمي دون استئذان ، والاَخر يتبعه بنظرة متشككة ، حتى جلس امامه أحد صبيانه ، يهمس له بجوار اذنه وكفه تشير نحو الحقيبة، استمع له فهمي ثم ردد بتساؤل :
- يعني الشنطة بتاعة زهرة! ودي جابت الفلوس منين؟
....................................
بعد أنتهاء يومها في العمل وتوجهها للمغادرة مع غادة ، كانت كاميليا في انتظارها بجوار الشركة على الإتفاق .
- ودي إيه اللي جابها دي بعربيتها دلوقتِ؟
ردت زهرة على سؤال غادة وهي تخرج معها من الباب الرئيسي:
- جايا معايا هاتوصلني البيت ياستي ، فيها حاجة دي ؟
رمقتها غادة وحاجبها المرفوع بشر تردد:
- جايه توصلك انتِ لوحدك ، وانا إيه بقى؟ ماليش لازمة مابينكم ؟
- في إيه ياغادة ؟ هو انا معرفش اهزر معاكِ أبدًا، كل حاجة تاخديها كدة بنية وحشة، هاتوصلك طبعًا، وبعدها توصلني مشواري .
قالت زهرة وتمتمت الاَخيرة بصوتِ خفيض ، اثار فضول غادة لتسألها :
- انتِ بتقولي حاجة ؟
نفت زهرة برأسها تجيبها بابتسامة مصطنعة :
- لا حبيبتي هاكون بقول إيه بس؟ ماتخديش في بالكِ انتِ .
لوت غادة فمها قبل أن تهتف بنزق :
- ياختي اهو الغتت كمان وصل عندها عشان تكمل.
تنهدت زهرة بغضب من كلمات غادة التي وجهتها نحو عماد الذي وصل بالقرب من سيارة كاميليا وخرجت اليه هي تتحدث بمودة كعادتها، حينما وصلن الفتيات استقبلهم عماد بقوله ضاحكًا :
- طبعًا ياعم حقكم تدلعوا وتتأخروا براحتكم ، مدام معاكم اللي يوصلكم ويغنيكم عن مواصلات الحكومة ووجع القلب .
ردت كاميليا بمشاكسة:
- بطل قر بقى يخربيتك ، ايه يابني ؟ خف الحقد الطبقي دا شوية بقى .
- حقد طبقي !
هتفت بها عماد واستطرد ضاحكًا :
- خلاص اتخليتِ عن طبقة الشعب وانضميتي لطبقة البشوات عشان جيببتِ عربية نص عمر ، امال لو جبتيها اَخر موديل ، هاتعملي ايه ياكاميليا ؟
- ههاجر ههههه.
اردفت بها تلوح بكفها في الهواء ضاحكة ، وانطلقت معها ضحكاته مع ضحكات الفتايات التي رحب بهن عماد بعد ذلك ، فأصرت كاميليا على توصيله معهم ، كاد أن يرفض ، ولكن بنظرة واحدة منها تراجع لينضم إليهم ، زهرة في المقعد الأمامي بجوار كاميليا، وعماد في الكنبة الخلفية مع غادة التي التفت كي تفتح باب السيارة من الناحية الأخرى تجاوره على مضص، فتفاجأت بهذا الحارس الثقيل يغمز لها بعيناه من الناحية الأخرى بمشاكسة كعادته قبل أن ينتبه على خروج سيده من باب الشركة ليستقيم باحترام في انتظاره ، والذي انتبه هو الاَخر على السيارة الصغيرة وهي تلتف مغادرة، وتجمع بداخلها الفتيات ومعهم هذا المتحذلق عمااد.
اكمل هبوط الدرجات الباقية قبل أن يعتلي سيارته وشياطين غضبه تتراقص أمام عيناه ، جسده يهتز من فرط غضبه .
- نروح البيت على طول ياباشا ولا في مشاوير تانية ؟
سأله السائق بأدب، وكانت إجابته :
- غور على أي مصيبة ؟
ابتلع السائق كلماته ومعه إمام الحارس، رغم الإجابة المبهمة والغريبة من سيدهم الغاضب ، تحركت السيارة نحو وجهة المنزل مؤقتًا، في انتظار تعليماتٍ أخرى منه.
...................................
توقفت كاميليا بالسيارة امام البنابة التي تقطنها زهرة ، بعد أن أوصلت عماد الى وجهة عمله الاَخرى؛ التي يعمل بها مساءًا، ثم تخلصت من غادة بتوصيلها الى منزلها هي اولًا قبل زهرة التي ترجلت الاَن تاركة حقيبتها اليدوية بداخل السيارة ، كي تصعد وتأتي بحقيبة النقود وكاميليا في انتظارها، ولكنها توقفت فجأة على هذا الصوت القبيح الذي هتف بإسمها :
- اهلًا أهلًا بسنيورة الحتة ... زهرة .
كان مستندًا بظهره على المبنى المجاور ثم تقدم بخطواته نحوها ، توقفت هي أمامه بتحدي في انتظاره، حتى اذا وقف أمامها خاطبته بازدراء :
- بنتده بإسمي في نص الشارع ليه؟ عايزة ايه يافهمي ؟
- كنت عايز اشكرك رغم زعلي من رفضك لطلبي .
قال بسماجة زادت من الغضب بداخلها فقالت بحنق :
- لا شكر على واجب ياسيدي ، وسع بقى خليني امشي ،
- طب مش هاتسأليني بشكرك على إيه قبل ماتمشي ؟
تكتفت ناظرة اليه بصمت متأففة ، اردف هو:
- كنت عايز اشكرك على الفلوس اللي ردتيهالي مع والدك النهاردة ، اصلي كنت محتاجهم قوي ، لكن انتِ جبتيهم منين ياأبلة ؟
- فلوس إيه ؟
سألته بعدم فهم ، أجابها بتأكيد :
- الفلوس اللي بعتيهم النهاردة مع ابوكي ، رزم الاَلفات الجديدة .
- انا بعتلك مع ابويا فلوس جديدة ورزم كمان ؟
ابتسم داخله فهمي وهو يرى وجه زهرة الذي شحب وانسحبت منه الدماء، فقد تأكد الاَن بصدق تخمينه ، وهو سرقة محروس للنقود الجديدة والمعروف وجهتها أكيد من البنك .
أتت اليهم كاميليا تسأل زهرة بتحفز وهي تومئ بذقنها نحوه:
- في ايه يازهرة ؟ الجدع ده بيتصدرلك ليه ؟ هو لسة مترباش .
ابتسم فهمي بزواية فمه رغم تلميح كاميليا الصريح بسجنه ولم يرد، فقد اكتفى بمشاهدة زهرة التي نظرت لها برعب تغمغم بكلمات غير مفهومة قبل ان تهرول لداخل المبنى وهرولت من خلفها كاميليا تتبعها .
...............................
- يانهار اسود يانهار اسود ، الشنطة مش موجودة ياكاميليا، الشنطة اختفت.
كانت تهذي بها بانهيار وهي تبحث بخزانة ملابسها وتقلبها رأسًا على عقب، هتفت كاميليا وهي تبحث معها بأرجاء الغرفة :
- إنت متأكدة انك حطتيها هنا ؟ مش يمكن تكوني سبتيها في أؤضة ستك وانت ناسية؟
- والله حطيتها في الدولاب بتاعي وفي الضرفة الوسطانية كمان، أنسى ازاي بس ياناس أمانة كبيرة زي دي ؟ أنسى إزااااي؟
انضمت كاميليا معها رغم يأسها تخاطبها:
- طب يعني هاتكون راحت فين بس ؟ دي حتى شنطة كبيرة وتقيلة مش حاجة هينة.
توقفت زهرة فجأة وقد بدأت تستوعب الكارثة ترد ووجهها مغرق بالدموع :
- فهمي مكنش بيهزر يا كاميليا ، ابويا فعلًا خد الفلوس ، بس ازاي وانا مكتمة من امبارح وحتى غادة مجبتش قدامها سيرة ؟ ياستي ياستي .
هتفت الاَخيرة وهي تخرج مسرعة نحو جدتها الذي منعها المرض من مشاركة البحث مع حفيدتها .
- ماشوفتيش اي حد غريب دخل النهاردة ؟ او حتى قريب ، أي حد ؟
رددت رقية بصوتِ مرتعش :
- والله ياحبيبتي ماشوفت ، انتِ من ساعة ماخرجتي وسبتيني في البلكونة وانا فضلت مكاني لحد اما جات صفية على الساعة عشرة جابتني هنا ، وانت عارفاني على حطة ايدك ياحبيبتي .
خرجت كلمات زهرة بنشبج مع بكائها :
- ياستي والله مااقصد اجرحك ، انا بس عايزة اعرف لو كنت حسيتي او لمحتي أي حد في البيت هنا بعد انا ماخرجت؟
صمتت قليلًا تعصر ذاكرتها رقية ثم أجابت :
- هو انا اللي فاكرها يعني ااا بعد انتِ ماخرجتي يجي بنص ساعة كدة ، حسيت بكركبة خفيفة ، بس خمنت تكون صفية رجعت بعد ما نسيت حاجة، حتى ندهت عليها وماردتش .
التفتت زهرة نحو صديقتها تردد بتأكيد :
- يبقى هو فعلًا ياكاميليا، ودخل خدهم بعد مااتخانقت انا معاه ومشيت على شغلي ، بس عرف ازاي ؟ .... هو انا لسة هاسأل نفسي ؟ انا رايحالوا .
قالت الاَخيرة وهرولت راكضة نحو ورشته التي لمحته فيها منذ قليل قبل ان تصل لمنزلها ، ركضت كاميليا خلفها ولكنها توقفت قبل دخول الورشة ، وقد شعرت بالحرج من حضور موقف مخزي كهذا بين فتاة وابيها ، فوقفت تنتظرها في الخارج وتراقب.
وعند محروس الذي انتفض على صرختها وهي تلج مندفعة داخل ورشته .
- سرقت الفلوس يابا ، سرقت فلوس خالي واديتها لفهمي .
استدرك نفسه فهتف على صبيه ليخرج من الورشة :
- اطلع انت دلوقتِ ياعامري وتعالى بعد شوية ، بسرعة ياض .
انتظر خروج الفتي ثم رد عليها مستنكرًا :
- مش تنقي الفاظك يابت ، داخلة كدة هاجمة زي البهيمة وبتتهميني ظلم حد قالك ابوكي حرامي ؟
هتفت بسخرية مريرة
- اه تصدق انه حصل فعلًا ، وانا اتأكدت بنفسي دلوقتِ
ان انت سرقت فلوس خالي ياحرامي .
- لمي نفسك يابت فهمية .
هدر بها ويده توقفت في الهواء قبل ان تنزل على وجنتها ، استطرد مهددًا :
- انا مش عايز امد ايدي عليكِ ، لكن لو طولتِ لسانك اكتر من كدة لكون دافنك وانتِ حية مكانك هنا .
- ادفني ، قطع من جتتي حتى ، بس هات الفلوس ابوس ايدك ، فهمي أكدلي ان انت اللي خدت الفلوس وادتهالوا رد الدين بتاعك النهاردة ، بأمارة كمان انها ورق جديد من البنك .
قالت برجاء ، فاأخرج هو سبة بذيئة من فمه نحو فهمي وهو يبتعد قليلًا عنها قبل ان يعود اليها متبجحًا :
- ماشي يازهرة انا اللي خدتهم ، وانتِ قولتيها بنفسك عشان اسد ديني؛ بعد انتِ ما اتخليتي عني ونشفتي راسك .
- انا نشفت راسي ، لكن هو ذنبه ايه ؟
صاحت بها وتابعت :
- حرام عليك، انا لو مسددتش الشهر ده السمسار هايفسخ العقد وتروح الشقة من خالي ، وتروح الجوازة كلها كمان ، دا ابوها المستشار بيتلكك وحالف بعد السنة مافيش جواز ، مش كفاية ضيع نص شبابه على بنتك اليتيمة كمان عايز تحرمه من حب عمره ؟
اصدر من فمه صوت ساخر قبل أن يرد :
- وماله ياحلوة، مش عاملي فيها البطل وحامي الحمى ، خليه يضحي شوية كمان .
- يضحي ايه تاني ؟ يعني يموت بالحيا بقى عشان يرضيك ؟
قالت صارخة قبل أن تنتبه على ضحكة ساخرة وصاحبها على مدخل الورشة يتقدم نحوهم ويردد:
- ههههههه عليا النعمة عرفت لوحدي ، دا انا استاهل اوسكار بقى في الزكاء والمفهومية ياجدعان.
رد محروس من تحت أسنانه:
- انت جيت ياوش الفقر ، مش كفاية فتنت الأهل في بعضيهم ؟
التفت على جملته بنظرة حانقة قبل ان تنتبه الى هذا الكريه الذي تجاهل أباها ليقترب منها مرددًا:
- مستعد ارجعلك فلوس خالك دلوقتي حالًا وعليهم خمسين كمان مهرك ، بس انتِ قولي اه.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضام لجروب الواتساب اضغط هنا
تابعى صفحتنا على الفيسبوك عشان تبقى اول واحدة تقرأ البارت اول ما ينزل
صفحتنا على الفيسبوك من هنا